حيث الحريري “النموذج” وحده!

كتب نبيل بو منصف في “النهار” :

لن تكفينا لاحتواء تسعة اشهر عجاف ولا ندري ما اذا كانت الأشهر المقبلة ستكون افضل منها، ان تعمم علينا صور “البسمات” التي يراد لها ان تبيّض صفحة العهد ان هو “صدق” في عدم المضي مع #نجيب ميقاتي بما امتهنه سابقاً لإقصاء #سعد الحريري. اعتدنا في هذا الزمن القاحل ان نوفر لمن يشاء الانصياع الى عدم المحاسبة والقفز فوراً الى اللحظة السياسية الحارة وطي اخطر الوقائع وراءها، بما يجعلنا الان امام سؤال كبير لن يطرح اطلاقا وهو كيف تصنف الأشهر التسعة بين تكليف الرئيس سعد الحريري وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي في تاريخ الطبقة السياسية كلا ومسار الدستور – الطائف ؟

لن نجد من يتفرغ لنا ليجيب على هذه المعادلة الخطيرة لسبب بديهي ان اهوال الأشهر الـ12 بعد انفجار مرفأ بيروت ومن ضمنها اشهر ازمة #تشكيل الحكومة لن تبقي لدى الناس صبرا وبقايا تحمل لأي مراجعات سياسية ولو ملحة وضرورية امام انهيار مرعب يجعل الناس تتسقط فقط إمكانات تحسن شروط “تسولها” الخدمات الحياتية الأساسية لا غير!

ومع ذلك سيكون من غير المسموح القفز بخفة مريعة، بلا أي رفة جفن، عن مسار مشؤوم تولاه العهد مع سعد الحريري على نحو يوازي ما فعله عهد النظام اللبناني السوري المشترك إبان عصر الوصاية البعثي السوري مع الرئيس رفيق الحريري، ثم التعامل مع الامر كأنه حقبة ومرت. نقول ذلك من منطلق المثل العامي “لما توقع البقرة بيكتروا سلاخينها ” الذي كدنا نذكر به لو لم يكن الرئيس سعد الحريري هو الذي اختار لحظة وظروف وتوقيت اعتذاره كما وضع ثقله وراء ترشيح الرئيس ميقاتي. ومع ذلك فان ثمة ما يتعين تسجيله وتثبيته في مسار لا ندرك الى اين سيمضي مع التكليف الثالث الان ولكن أيا تكن مسالكه فاننا نجد أنفسنا معنيين بعدم ترك حقيقة سياسية ودستورية وديموقراطية، وحتى وجدانية واخلاقية، تذهب ادراج اللحظات المتوهجة التي تطل عليها البلاد.

نقول ان الرئيس سعد الحريري الذي استقال بعد أسبوعين فقط من اندلاع شرارة اعظم الانتفاضات الاجتماعية التي شهدها لبنان في تاريخه والتي للأسف العميق والعميق جدا لم تنجح في إكمال مسارها نحو ثورة تغييرية شاملة كما حلمنا جميعا… والرئيس الحريري الذي اعتذر بعد تسعة اشهر من أسوأ تجربة مكايدة تعرض لها رئيس مكلف او “شغال” بالكامل على يد العهد ومن يقف قربه ووراءه… الرئيس الحريري صار في سجل الازمة المسؤول الزعيم الأكثر تمثيلا لطائفته الذي التزم حصريا مبدأ الاستقالة وكسر حلقة الازمة أيا تكن الاعتبارات والأسباب ومهما كانت. لم تنجح انتفاضة اللبنانيين في اسقاط الطبقة السياسية من رأس هرم الدولة أي رئيس الجمهورية الى الحكومة الى مجلس النواب، كما حلمنا جميعا في 17 تشرين الأول 2019، ولذا كان الامل الواهي الوحيد ان يطلع من الطبقة السياسية من يكسر القواعد المتكلسة. حصل على مستوى الاستقالات النيابية والمطالبة بالانتخابات المبكرة ان بقي نبض يحاكي الانتفاضة، لكن على المستوى السلطوي الديموقراطي كان سعد الحريري وحده من هرمية الطبقة السياسية من استقال واعتذر وافسح المجال لتغيير حين عز كل تغيير. اغرب الغرائب الا تعثر على من يسأل العهد ألم يخطر لك ان من تكايده هو النموذج الذي يجب ان تتبع نهجه في الاستقالة والاعتذار؟
المصدر : النهار